قد يكون الفرد حزينا، فنقول انه مكتئب أو كئيب. وهو ما يحصل عندما يمر الإنسان بتجربة أو حدث مؤلم مثل موت عزيز، أو فقدان شيء غال، أو فشل في عمل أو امتحان، أو معاناة مرض خطير، أو غيرها مما قد يسبب الشعور بالحزن. وهذا لا يجعل الإنسان مريضا بطبيعة الحال لأن الأفراد الأصحاء يستطيعون التعامل مع تلك الأحاسيس بالشكل الذي لا يعيق حياتهم. وهو ما يجعل الإحساس المؤقت بالحزن رد فعل طبيعي في الحياة، سرعان ما يستعيد الفرد حالته العادية.
في هذا المستوى لا نتحدث عن مرض اكتئابي ولكن عن أعراض اكتئابية. ويضع المتخصصون شروطا لاعتبار الحزن الذي يشعر به شخص ما إصابة بمرض أو اضطراب اكتئابي أهمها:
– أن تكون حدة الاكتئاب غير متناسبة مع العامل الذي ينسب إليه أو أن يأتي دون سبب ظاهر. فعندما يفقد قلما عاديا فيشعر بالحزن الشديد وينكفئ على ذلك، فذلك أمر غير منطقي وغير متناسب.
– أن يستمر لفترة طويلة تزيد على أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
– تأثيره السلبي على أداء الفرد الأسري أو الدراسي أو المهني أو الاجتماعي وعلى نشاطاته المعتادة.
ومن هنا فمن بين عشرات التعاريف المتداولة في الكتب النفسية يمكن أن نختار تعريفا مبسطا في هذه البداية، وهو أن الاكتئاب هو “اضطراب نفسي يشعر معه الفرد بالحزن والقنوط واليأس والعجز، مع بطء في النشاط الذهني والعاطفي والحركي، وقد يصاحبها كراهية الحياة وتمني الموت”.
وتثبت العديد من الإحصائيات أن الاضطراب الاكتئابي منتشر أكثر مما يظن الكثير من الناس. فما بين 13 و 20 % من السكان الذي تتراوح أعمارهم بين 15 و 75 عاما يعانون من مرض الاكتئاب في مرحلة ما من حياتهم، ومنهم 7% يعانون من حالة اكتئاب شديدة. وهذا يعني أنه يوجد بالمغرب حوالي أربعة ملايين ونصف من الأشخاص المصابين بالاكتئاب بمختلف أنواعه في مرحلة من مراحل حياتهم. وهذا يجعل الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعا، وواحدة من المشاكل الصحية العامة.
والنساء أكثر إصابة بالاكتئاب من الرجال بضعفين أو ثلاثة أضعاف تقريبا. وذلك بسبب التحولات الهرمونية أثناء الحمل وبعد الولادة وفي سن اليأس. لكن ذلك الفارق يختفي بعد سن الخامسة والخمسين، وتصبح النسب متقاربة جدا.
ويزيد من خطورة المرض أن معظم الأشخاص المصابين به يخجلون من طلب أي مساعدة طبية، أو يصعب عليهم الاعتراف بأنهم يعانون منه، لأنهم يرون أن ذلك يعد ضعفا في الإيمان بالله أو ضعفا في الشخصية. ولذلك نجد في بعض الإحصائيات أن ثلثي الأشخاص المصابين بالاكتئاب لا يلجئون إلي الاستشارة الطبية النفسية.
هذه النظرة العامة حول مرض الاكتئاب نريد من خلالها التأكيد على نقطتين هما:
1 ـ إن فهم المرض والوعي بتفاعلاته وكيفية علاجه هو الطريق السليم لتجاوزه وتخطي تأثيره وتداعياته. وهذا الفهم يحتاجه المريض كما تحتاجه أسرته. ففي كثير من الأحيان لا يؤخذ المرض مأخذ الجد، وينظر إلى المصاب به على أنه متكاسل أو متصنع. وقد يضغطون عليه انطلاقا من أن عليه فقط أن “يقوي إرادته” أو “يسترجع إيمانه”. لذلك قد يتأخر المريض في اللجوء إلى الطبيب مما يزيد من معاناته.
2 ـ إن الاكتئاب مرض نفسي ينسحب عليه ما ينسحب على باقي الأمراض العضوية والنفسية. فالشفاء الكامل والنهائي منه ممكن، وخصوصا مع تطور إمكانات العلاج الناجع في العقود الأخيرة. وذلك على الرغم من أن خطر معاودة المرض كبير وخصوصا إذا لم يتلق المريض العلاج الناجع.