"السنة" غير التشريعية عند الإمام مالك بن أنس

منذ بدأ العلماء والمفكرون المعاصرون في الكتابة عن تنوع التصرفات النبوية حسب دلالتها التشريعية وعن تصنيفها لدى علماء الإسلام، ومنذ الانطلاق من ذلك لتجديد الرؤية في مواضيع الفكر السياسي بمرجعية إسلامية؛ والكتابات تصدر تترى تحاول تسفيه ما اصطُلِح عليه بـ"تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية". ومن المؤسف أن النقاش أحيانا يستدعي عبارات أو اتهامات مُجْمَلة، مثل الاتهام بالعلمانية والانحراف الفكري والقراءة العصرانية والخروج عن منهج أهل السنة والجماعة وغيرها، مما لا يفيد علما ولا يقدم شيئا في تحليل الموضوع ومعالجته. كما يتردد كثيرا القول بأن ذلك التقسيم بدعة لم يُسْبَق إليها القائلون بها.

والصحيح أن التمييز بين ما هو للتشريع وما ليس للتشريع من المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم متواتر عن الصحابة والتابعين وكثير من الأئمة المعتبَرين. وكان همًّا مستمرا وُضِعت له المناهج والقواعد حسب ما أدى إليه اجتهاد كل إمام من الأئمة. ومقصدُهم من ذلك فهمُ المروي عنه صلى الله عليه وسلم في إطار سياقه الحيوي بقرائنه المتداخلة: التشريعية الدينية والنفسية والجِبِلِّية (أي الطبيعية البشرية) والعرفية والاجتماعية والمادية والسياسية وغيرها، تفاديا للغلط في فهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره.



قراءة