قال رئيس الحكومة المغربية سابقا والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، الدكتور سعد الدين العثماني، إن "جهود التجديد في العلوم الإسلامية اليوم من حيث الكيف والعمق أبطأ كثيرا من تطور المعرفة والواقع البشريين. ومع مرور الوقت تتسع الهوة بين المستويين، وهي التي كانت أصلا كبيرة، وتعكس التخلف العام لواقع المسلمين مقارنة بالحضارة المعاصرة".
وأوضح، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "عملية التجديد الإسلامي تحتاج إلى جرأة وفاعلية معرفية وفكرية في مستوى العصر. وإلا فكيف يُجدد في مجال مَن ليس بارعا مبتكرا مرجعا أو إماما فيه، وهو ما يحتاج إلى جهد حقيقي للإبداع والمواكبة"، مُشدّدا على أن "التجديد عملية لا تتوقف ما دامت الحياة الإنسانية مستمرة".
ورأى العثماني، وهو طبيب نفسي ومتخصص في أصول الفقه، أن "عملية التجديد لو حققت أغراضها لرأينا في واقع المسلمين تغيرا من واقع التخلف إلى واقع التقدم؛ فبين الأمرين علاقة قوية"، منتقدا دعوات البعض لأسلمة المعرفة أو إخضاع المعرفة العلمية للمعرفة الدينية.
وأشار العثماني إلى أن "تصاعد اليمين المتطرف في الغرب، وتضييق الخناق على المسلمين هناك، من الممكن أن يعطي دفعة لتطرف مُضاد"، مضيفا: "من الضروري رفع مستوى التوعية بخطورة هذا المنحى، وأن يتعاون الجميع لمنع أي ردود فعل قد تكون مبررا لمزيد من التضييق على المسلمين ومصالحهم وعلى المساجد".
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
قضية التجديد قضية لا شك تعرفون أهميتها في مسار الحركة الإسلامية.. فما هو التجديد المطلوب داخل الحركة الإسلامية في هذا الوقت الراهن؟
تجديد الخطاب الديني موضوع كتب فيه العديد من العلماء والمفكرين، قديما وحديثا، وهو يهم العقل المسلم عموما وليس فقط ما يُسمى بالحركة الإسلامية. وهو ضرورة حيوية ومطلب في الدين نفسه، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"؟
لكن التجديد المطلوب هو تجديد يكون عن علم: العلم بالدين، والعلم بمعارف العصر. فكثيرون يتحدثون في مواضيع استجدت فيها المعطيات وتغيرت المفاهيم، لكنهم استمروا في البناء على معطيات قرون مضت أو على معطيات معاصرة مبتورة.
والواقع أن جهود التجديد في العلوم الإسلامية اليوم من حيث الكيف والعمق أبطأ كثيرا من تطور المعرفة والواقع البشريين. ومع مرور الوقت تتسع الهوة بين المستويين، وهي التي كانت أصلا كبيرة، تعكس التخلف العام لواقع المسلمين مقارنة بالحضارة المعاصرة.
ما هي حدود هذا التجديد الإسلامي؟ وما هي ضوابطه؟
من المواضيع التي شغلت إنتاجات ونقاشات العرب والمسلمين الجواب عن السؤال: كيف يمكن الجمع بين الانتقال إلى مجتمعات المعرفة وبين الارتباط بالمرجعية الإسلامية؟
والجواب، أن التجديدية ـمبدأ ومنهجاـ تعطي الحل المناسب لذلك. على أساس أن التمسك بالمرجعية لا يعني تقليد نماذج قديمة، بل هو تجديد مستمر للانتماء الحضاري ولتنزيل ذلك الانتماء على أرض الواقع. وهو أيضا عملية علمية فكرية مستمرة، كما تُشكّل المُحرّك الأساسي لمشروع النهضة المأمولة. ولسنا نريد هنا أن نتحدث عن التجديد ومدارس الفكر الإسلامي فيه، وإنما نريد التأكيد فقط على أنه عملية لا تتوقف ما دامت الحياة الإنسانية مستمرة. وهذا من معاني الحديث: "إن الله يبعث على رأس كل سنة من يجدد لها دينها"؛ فالتجديد عملية مستمرة.
وكلما جد جديد في المعرفة أو في الاجتماع البشريين، إلا وتحتاج الأمة إلى تجديد للاستفادة منهما ضمن حركية مشروع النهضة. وسيكون في هذا المشروع من النقص على قدر التأخر أو النقص في تلك المواكبة. وبتعبير آخر فإن التجديدية هي عملية تكييف مستمرة لفهمنا للوحي على ضوء معطيات العقل. وبما أن معطيات العقل تتطور وتتجدد بسرعة فائقة، فإن على "التجديد" أن يواكبها دون كلل ولا ملل.
ومن مقتضيات ذلك، الوعي بالانسجام الحاصل في الإسلام بين الشرعي والوضعي، بين الديني والدنيوي، بين الإيماني والمادي، كما بين عالمي الغيب والشهادة. وتصور التعارض أو الاختلاف بينها يدخل المسلمين أفرادا ومجتمعات في حرج كبير. وهكذا فإن توكل المسلم على الله حق التوكل، لا يجب أن ينقص في شيء إتقانه الأخذ بالأسباب، وتشبعه بالقيم الإسلامية وبأحكام الشريعة ليس معارضا للأخذ بأقصى ما تقتضيه الحكمة الإنسانية وتبدعه. ومن تطبيقات ذلك مثلا أن الأخذ بمبدأ الشورى لا يمنع من الأخذ بالديمقراطية بوصفها تطبيقا إنسانيا لها. قد نحتاج إلى تكييفها مع مبادئ الدين، لكن رفض الاستفادة منها ضرب لمبدأ التجديد الذي أسسه الشرع وحض عليه. وقل الشيء نفسه في كثير من مفردات الفقه السياسي والفقه الاقتصادي وغيرها.
بينما يجب ألا يمس التجديد ثوابت الدين، وإلا أصبح تغييرا في الدين لا تجديدا. وفي موضوع التجديد نحتاج إلى الوعي بأمرين:
الأول هو أن ما يجر في الغالب إلى التقليدية هو الخوف من الإضرار بالهوية أو المرجعية؛ فيجنح المرء إلى أسلوب الدفاع والمحافظة. وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحنيط فهم المرجعية وإبقائه في قالب جامد. والسليم أن أفضل طريقة لخدمة المرجعية هو تجديد فهمها أو تجديد المعرفة والفكر في إطارها.
الأمر الثاني هو أن عملية التجديد تحتاج إلى جرأة وفاعلية معرفية وفكرية في مستوى العصر. وإلا فكيف يُجدد في مجال مَن ليس بارعا مبتكرا "مرجعا" أو "إماما" فيه. وهو ما يحتاج إلى جهد حقيقي للإبداع والمواكبة.
هناك مَن يرى أن هناك استغلالا من قِبل البعض لقضية التجديد من أجل هدم ثوابت الدين الإسلامي... ما مدى صحة ذلك؟
هذا صحيح نسبيا، هناك فعلا مَن يعمل على هدم ثوابت في الدين والشرع باسم التجديد. وفي المقابل هناك أيضا مُتشدّدون يرفضون كثيرا من الاجتهادات التجديدية التي قال بها علماء كبار معاصرون، وأحيانا لها سلف في القدماء أيضا. والمنهج الوسط المبني على الدليل هو الأسلم.
إن باب الاجتهاد والتجديد مفتوح ولا يملك أحد احتكاره، لكن هذا لا يمنع من القول بأن بعض دعوات التجديد، لا تستوعب بشكل كاف أهم الشروط المنهجية والمعرفية للتجديد في الدين وفي التراث الديني عموما. فعدد من الباحثين تعوزهم الأدوات المنهجية لبعض العلوم الإسلامية كأصول الفقه مثلا، وهو ما يجعل طروحاتهم مشوبة بالنقصان، لعدم إلمامهم بها وعدم قدرتهم على استيعاب حد معقول من تراث الأمة. لذلك فكما لا يمكن لأي أحد أن ينطلق هكذا ويدعي التجديد في علوم الحياة كالفيزياء والكيمياء دون أن يكون له إلمام بها، فكذلك الشأن بالنسبة للتجديد في قضايا الدين.
هل حقق التجديد الإسلامي أغراضه؟ وما مدى اقتناع الحركة الإسلامية اليوم بضرورة التجديد؟
التجديد عملية مستمرة، ولو حققت أغراضها لرأينا في واقع المسلمين تغيرا من واقع التخلف إلى واقع التقدم؛ فبين الأمرين علاقة قوية. فعندما تردد السؤال: لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟ وضح التحدي المركزي الذي يعمل المسلمون على مواجهته. ويتبعه سؤال ثان هو كيف يمكن تحقيق التقدم مع الالتزام بمبادئ ديننا وبهويتنا؟
والتجديد، كما قلت، يهم العقل المسلم، والاجتماع الإسلامي، وليس فقط فصيلا دون آخر أو مجموعة دون أخرى. وجهود التجديد طيلة القرنين الأخيرين تتجاوز أسماء معينة؛ فقد تعاقب عليه أجيال من العلماء والمفكرين والمثقفين والمصلحين.
وعلى الرغم من أهمية الجهود التي بُذلت في التجديد لحد الساعة، إلا أنه لا يمكن القول إن راهنيته انتهت؛ فهو في تطور مستمر، يقوى تارة ويضعف أو يفتر وهجه في أخرى. لكن التجديد سنّة كونية فمَن لم يتجدد يتبدد كما يُقال.
كيف تردون على اتهام بعض أفراد الحركة الإسلامية بعَلمَنة الإسلام انطلاقا من قضية التجديد؟
هناك قضايا عديدة مُختلف حولها من قِبل العديد من العلماء والمفكرين المعاصرين، منها ما هو منهجي ومنها ما هو مضموني. ومن تلك القضايا المنهجية طريقة تحقيق الانسجام بين الشرعي الديني والمعرفة الدنيوية. وهو ما كان يُعبّر عنه قديما بالتوفيق بين النقلي والعقلي. وهي من أعقد القضايا التي تواجه العقل المسلم. ويظن البعض أن حلها سهل ميسور؛ فيقدم حلولا تبسيطية غير مقنعة نظريا وغير مجدية واقعيا.
والتعامل مع هذه القضية يختلف من مدرسة فكرية لأخرى، ومن عالم لآخر، بل أيضا من واقع لآخر، وفق هامش واسع، البعض فيه أقرب إلى التوسع في الشرعي الديني، والبعض الآخر أقرب إلى التوسع في العقلي والدنيوي. وأحيانا بدل الحسم بالنقاش العلمي المبني على الحجة والدليل، قد يلجأ البعض إلى الاتهام سواء بالتشدد والانغلاق والحرفية وغيرها، أو بالتسيب والمروق والعلمانية وغيرها أيضا. وهذا من إشكالات العقل المسلم المعاصر، ومن دلائل العجز عن النقاش العلمي الرصين، ومن تأثيرات الواقع المتردي الذي يعيشه المسلمون.
هناك دعوت إلى المزاوجة بين الفقه والفتوى والعلوم الاجتماعية، وهذا لم يتحقق إلى الآن، إلا في حالات نادرة.. فكيف السبيل إلى ذلك، خاصة أن البعض يرى أن تلك المزاوجة أمر صعب جدا ومجرد "كلام نظري"؟
هناك دعوات ترى ضرورة "أسلمة" المعرفة، وقد يتطرف البعض فيحاول إخضاع المعرفة العلمية للمعرفة الدينية. ورأيي أنه لا يتصور أن يوجد علم كافر وآخر مسلم، وإنما توجد معرفة صائبة وأخرى خاطئة. والبشرية في تاريخها الطويل أبدعت مناهج ووسائل للوصول إلى معرفة موضوعية تعكس أعلى درجة ممكنة من الحقيقة.
والإشارات القرآنية في مجال العلوم "الدنيوية"، سواء كانت علوما حقة تجريبية أو علوما إنسانية، ظنية في دلالاتها، اختلف المفسرون والمتخصصون في معانيها قديما وحديثا. وبسبب هذه الاعتبارات المنهجية لم يحتج علماء الإسلام في الحضارة الإسلامية، وفي مقدمتهم الفقهاء، إلى الحديث عن أسلمة العلوم «الدنيوية»، ولم يجدوا غضاضة في البناء على عطاءات الحضارات السابقة. وهذا لا ينفي حاجة المسلم إلى استحضار مبادئ التوحيد والاستخلاف والتوازن بين المادة والروح والتسخير في عمله الدنيوي، وفي جهده العلمي على وجه الخصوص، لكنها ليست موجهات في إنتاج العلم ذاته، وإنما هي موجهات في سلوك الإنسان أثناء البحث العلمي وأثناء تسخيره معطيات العلم.
والصحيح كذلك أن نشأة مناهج العلوم وتطورها كله جهد مستمر، نشأ جنينيا وينمو باستمرار نحو أعلى درجة ممكنة من الموضوعية. وليس هذا من وظائف الدين، وإلا لكان "المنهج العلمي" قد كمل في الحضارة الإسلامية، وهو ما ليس صحيحا. ونحن نعلم أن بذوره التي صاغها العلماء المسلمون تفاعلت مع إرث الحضارات السابقة؛ فأخذت منها وردت وطورت، لكن أحدا منهم لم يذهب إلى بناء المنهج على أسس دينية، فيما لا يتعلق بعلوم الدين. فالعلم على مستوى إنتاج المعرفة يمثل إفراز تجربة إنسانية تتطور باستمرار، وتشهد تراكمات تسهم فيها مختلف الشعوب والثقافات.
المفكر دائما ما يحتاج إلى مراجعات فكرية وحياتية وما إلى ذلك، فما أهم الأمور الفكرية والمفصلية في فكر الدكتور سعد الدين العثماني التي ترى أنه راجعها ويعمل على مراجعتها من وقت لآخر؟
لقد درست أصول الفقه واشتغلت لما يزيد عن 30 سنة في بعض قضاياه، وحاولت أن أقدم بعض الإضافات في موضوع تنوع التصرفات النبوية، وقد ابتدأ هذا المسار وترسخ مع مناقشة أطروحتي في موضوع التصرفات النبوية السياسية سنة 1999. وهو الأمر الذي اشتغلت عليه باستمرار إلى حدود سنة 2017 لما أصدرت كتابي "التصرفات النبوية السياسية دراسة أصولية لتصرفات الرسول بالإمامة"، ولا أزال أجتهد وأطور أفكاري في هذا المجال، ويمكن القول بأن هذا الموضوع من بين أهم المداخل المنهجية للتجديد في الدين، سعيا للتمييز بين تصرفات الرسول عليه السلام التي هي دين، وتصرفاته التي هي اجتهاد دنيوي من مواقع مختلفة. ولا يزال الموضوع يحتاج للتطوير على المستوى المنهجي، ولا يزال هناك سوء فهم كبير للعديد من الأقوال والأفعال النبوية. صحيح أن الكثير من العلماء والمصلحين أسهموا في تجلية هذا الموضوع، لكنه لم يصبح بعد ثقافة راسخة في فهم الأحاديث النبوية.
في سياق آخر، كيف تنظر لواقع العلاقة بين "العدالة والتنمية" وحركة "التوحيد والإصلاح"؟
العلاقة بين الحزب وحركة "التوحيد والإصلاح" هي علاقة واضحة منذ اليوم الأول، وقد مرت عبر مراحل استقرت نهائيا على ما أسميناه الشراكة الاستراتيجية، والتي تعني أن هناك تمايزا واضحا على المستوى التنظيمي، وتعاونا وشراكة على مستوى التوجهات والأفكار الكبرى.
لذلك؛ فالحزب لم يكن يوما جناحا سياسيا للحركة كما يظن البعض، ولا كانت الحركة يوما جناحا دعويا للحزب. وقد استطعنا إرساء قاعدة أسميناها "التمايز بين ما هو سياسي حزبي وبين ما هو حركي دعوي"، بل أكثر من ذلك فالنظام الداخلي للحركة ينص بوضوح على مسطرة "التنافي بين المسؤولية الحزبية والمسؤولية الدعوية".
لكن المرجعية الإسلامية للحزب شكّلت على الدوام إحدى النقاط التي تم من خلالها اتهام الحزب باستغلال الدين في السياسة.. ما تعقيبكم؟
حزب "العدالة والتنمية" ليس حركة دينية، بل هو حزب سياسي مدني، وحتى حركة "التوحيد والإصلاح" هي جمعية مدنية، وتبنيهما للمرجعية الإسلامية لا يعني احتكارهما لها، ولم يسبق لنا أن قلنا إن التدين مرتبط بوجودنا؛ فالدين هو مرجعية الدولة والمجتمع، ومشترك بين الجميع في بلادنا. ولذلك نُعرّف حزب "العدالة والتنمية" بأنه حزب سياسي وطني مغربي مدني، ينطلق من المرجعية الإسلامية التي هي مرجعية الشعب المغربي، ولا يمكن أن نتصور حزبا إلا ويأخذ بعين الاعتبار تاريخ ومبادئ الشعب المغربي.
ما رؤيتكم لإشكالية العلاقة بين العمل الدعوي والنشاط السياسي؟
من أهم اجتهادات حركة "التوحيد والإصلاح" تلك المرتبطة بالعلاقة بين العمل الدعوي والعمل السياسي، في ارتباط برؤية أشمل تهم مقاصد الحركة ومكانة الإصلاح السياسي فيها والعلاقة مع الحقل الديني الرسمي.
والفكرة المركزية في ذلك هي أن العمل الدعوي له سمات تختلف عن طبيعة العمل السياسي، وإن كان يجمع بينهما التمسك بالثوابت الدينية والوطنية، لكنهما يسلكان وسائل مختلفة حسب طبيعة كل منهما.
هل كان من بين أسباب خسارتكم الكبيرة للانتخابات الأخيرة هو تراجع "التوحيد والإصلاح" عن دعمكم في تلك الانتخابات؟
تراجع الحزب في الانتخابات كان له عدة أسباب لا تخطئها العين الفاحصة، وهي في مجملها مُسبّبات خارج الحزب تقاطعت فيه عدة سياقات ومؤثرات، وهو ما عبّرنا عنه في الأمانة العامة للحزب بأن النتائج كانت غير منطقية وغير مفهومة ولا تعكس الوزن السياسي الحقيقي للحزب، وهذا ما أصبح يتأكد لدى قاعدة عريضة من المغاربة يوما بعد يوم.
برأيكم، هل تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا يمكن أن يقود إلى تطرف مُضاد؟
من سمات اليمين المتطرف كراهية الأجانب وخصوصا منهم المسلمين، ويرجع المنتمون إليه مشكلات بلدانهم للهجرة والتعدد الثقافي، ويدعون إلى هوية وطنية نقية لا تنوع فيها. ويتفق الجميع على أن المسلمين في الغرب هم أول المتضررين من صعود هذا اليمين. وقد بدأ فعلا في بعض المناطق تضييق الخناق عليهم. ومن الممكن أن يعطي كل ذلك دفعة لتطرف مُضاد. ومن الضروري رفع مستوى التوعية بخطورة هذا المنحى، وأن يتعاون الجميع لمنع أي ردود فعل قد تكون مبررا لمزيد من التضييق على المسلمين ومصالحهم وعلى المساجد.
على إثر ذلك، ما سبل مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
إن الإسلاموفوبيا بوصفها كراهية للإسلام والمسلمين وازدراء لهم، سلوك يناقض التعايش الاجتماعي والإنساني، وينتهك حقوق الإنسان ومقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو نوع من أنواع العنصرية.
ومكافحتها تكون أولا بنشر الوعي بخطورتها وتأثيراتها السلبية الكبيرة على المسلمين، وعلى الاجتماع البشري عموما، في حوار مع المجتمع المدني والسياسي المعتدل في الغرب.
ويجب ثانيا العمل على وضع ميثاق دولي للتوقف عن الإساءة إلى جميع الأديان؛ ففي ذلك حماية للبشرية كلها من الاعتداءات المتبادلة ومن الصراعات والحروب.
ومن الضروري ثالثا نشر ثقافة الاحترام والتعايش والتسامح وقبول الآخر والتأكيد على كرامة الإنسان أيّـا كان دِينه وعرقه وجنسه، وإيقاف كل أنواع التحريض والإهانة والتعسف. وهذا يكون بفتح حوار بين المسلمين وغيرهم، يصحّـح المفاهيم المغلوطة لدى الغرب ويحاصر محاولات بعض متطرفيهم توسيع الفجوة بين المسلمين وغيرهم.