العثماني: التنافس السياسي اليوم هو بين المدافعين عن الديمقراطية واستقلالية القرار السياسي للأحزاب

1 - "التحكم" مصطلح سياسي بصم عليه حزب العدالة والتنمية بقوة في الفترة الأخيرة. قياديون كثيرون بالحزب لم يعد لهم حديث سوى تهمة "التحكم". ما المقصود بالتحكم حتى يعرف القارئ العربي دلالات هذا المصطلح..؟

هذا المصطلح يعني أن هناك جهات سياسية تستقوي ببعض الأطراف في الإدارة للتأثير في نتائج الانتخابات أو في القرار السياسي بعيدا عن القواعد الديمقراطية. وهو شيء نددت به عدة أحزاب وليس فقط حزب العدالة والتنمية. وظهر ذلك أحيانا من خلال الضغط على مرشحين لتغيير انتماءاتهم الحزبية أو لمخالفة التوجهات السياسية لأحزابهم.

وهذا يعني أن التنافس السياسي اليوم هو بين المدافعين عن الديمقراطية واستقلالية قرار الأحزاب السياسية وإعطاء المصداقية للعمل السياسي، وبين من يسعون عمليا ضد تلك القيم والمبادئ. والفرز في المرحلة المقبلة يجب أن يبنى على هذا الأساس لمصلحة الوطن ومستقبله. إنه من الواضح أن المغرب قد خطى خطوات مهمة على طريق البناء الديمقراطي، لكن بعض الأصوات لا تزال تقاوم هذه التحولات، وبث الوعي في المجتمع لمنعها من الوصول إلى ذلك أمر مهم.

 

2 - هل يعني "التحكم" ما يسميه البعض "الدولة العميقة"؟..هل توجد دولة عميقة بالمغرب أستاذ سعد الدين؟

في كل بلد توجد لوبيات وأصحاب مصالح يحاولون حماية مصالحهم ولو كانت غير مشروعة، ولو بوسائل غير قانونية.

 

3 - المتابعون للشأن السياسي بالمغرب يربطون بين تهمة "التحكم" وحزب الأصالة والمعاصرة..هل تعتبرون هذا الحزب المعارض واجهة حزبية للتحكم بالمشهد السياسي بالمملكة؟

في جوابك جزء من الصحة، ففي كل حزب يوجد ناس شرفاء، لكن أحيانا يكونون مهمشين عاجزين على دفع هيئتهم السياسية للالتزام بالسلوك السياسي السليم قانونيا وأخلاقيا.

4 - الانتخابات التشريعية على الأبواب..وهناك من تحدث عن صعود لأسهم حزب الأصالة والمعاصرة، خصوصا بعد ما سمي بالغضبة الملكية على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران..هل يمكن الحديث عن تأثير "الغضبة الملكية" على حظوظ الحزب لتصدر الانتخابات ليوم 7 أكتوبر؟

في البداية هذا الكلام عن غضبة ملكية هو من الرجم بالغيب، وقد مضى الزمن الذي كان البعض يستثمر في مقولة القرب أو البعد من الملك. فمجمل القوى السياسية والنخب الحزبية حسمت في موقع المؤسسة الملكية، ودورها الوطني الجامع. وبالتالي لم يعد هناك في الحقل السياسي قوى تمثل الملكية أو تمثل امتدادا لها، وتحتكر الوفاء والولاء لها، وتعبر عن رغباتها أو عن غضبات لها مزعومة. ونحن ننظر إلى ما ينشر في هذا المجال بأنه داخل في الصراعات الانتخابية.

أما عن تصدر الأصالة والمعاصرة للانتخابات فهذا لا يقول به أي احد ولا يعضده أي مؤشر، فكل المؤشرات واستطلاعات الرأي تشير وتعطي المرتبة الأولى للعدالة والتنمية، وهو ما تعكسه نتائج انتخابات 4 شتنبر، حيث تصدر حزبنا نتائج الانتخابات الجهوية والتي هي قريبة إلى حد كبير من حيث نمط الاقتراع من الانتخابات التشريعية، وكذا تبوء حزب العدالة والتنمية بأغلبية مطلقة أو قريبة منها نتائج جل المدن الكبرى وكثير من المدن المتوسطة، فالمنطقي هو تصدر العدالة والتنمية للانتخابات.

 

5 - طفت أصوات مؤخرا حتى من داخل حزب العدالة والتنمية إلى ترك الباب مواربا أمام أي "تحالف" أو تهادن مع حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات المقبلة. وبالمقابل آخرون يشددون اعتبار هذا الحزب "خطا أحمر" لا يمكن التحالف معه بأي حال من الأحوال. إلى أي فريق تنضمون أستاذ العثماني؟

ليس هناك من يدافع عن التحالف مع البام، وحلفاؤنا في المرحلة المقبلة واضحون، وقد أعلناهم بشكل صريح. ونحن مستعدون كذلك للتعاون مع حساسيات سياسة أخرى نتشارك معها الحد الأدنى من الدفاع عن مصالح المواطنين والبناء الديمقراطي ومواجهة التحكم.

والحديث عن وجود اختلاف حول هذا الموضوع داخل قيادة الحزب غير صحيح.

6- ألا ترى إمكانية حدوث السيناريو التونسي بالانتخابات المغربية.. حين تحالف حزب نداء تونس بقيادة السبسي مع حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها الشيخ الغنوشي. أم أن البيئة السياسية المغربية لا تستنسخ؟؟

أعتقد أن التجربة المغربية مختلفة عن التجربة التونسية، وسياق كل واحدة منهما مختلف عن سياق الأخرى، وبالتالي فإن الحديث عن استنساخ التجربة التونسية غير وارد.

7 - انتخابات 7 أكتوبر تُعد الأولى من نوعها التي ستجرى بعد تنزيل دستور فاتح يوليوز 2011  على أرض الواقع من قبل حكومة سياسية أفرزتها صناديق اقتراع 25 نونبر 2011...ما الذي سيقوله حزبكم للمغاربة بخصوص مدى نجاحه في تنزيل وتطبيق مضامين الدستور؟

أعتقد أن الحكومة التي ترأسها حزبنا استطاعت بشكل مقدر تفعيل بنود الدستور، من خلال الحرص أساسا على التعاون والشراكة الفعالة بين المؤسسات بما يحقق توسيع قاعدة الإصلاح. كما عملت الحكومة على إخراج كل القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي تعتبر المحدد لقواعد وآليات تطبيق الأسس التي أرساها. واليوم جميع تلك القوانين التنظيمية موجودة، بعضها دخل حيز التطبيق، وقليل منها ينتظر مصادقة البرلمان عليها.

8 - منتقدو التجربة الحكومية يقولون إن حزبكم فشل في تطبيق شعار الإصلاح على أرض الواقع، بقدر ما استهلك الشكاوى الكثيرة من طغيان إرادة الفساد..أين نجح حزبكم تحديدا في ملف محاربة الفساد وإرساء الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟

 

نعم حققت الحكومة نسبة مهمة من برنامجها. فعلى المستوى السياسي نجحت الحكومة في استعادة السير الطبيعي للمرافق العمومية، وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية.

وعلى مستوى محاربة الفساد وإقرار الحكامة الجيدة فاقت متابعة قضايا الرشوة 30 ألف قضية، وهو رقم غير مسبوق، مع الإشارة إلى أن الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة أسهم في محاربتها، خصوصا بعد تفعيل نظام حماية المبلغين والشهود. كما تم إقرار نظام جديد على مستوى تتبع ثروة القضاة في كل من القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للقضاة، بالإضافة إلى تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة للمصرحين بممتلكاتهم.

وعلى المستوى الاقتصادي استطاعت الحكومة تحسين المؤشرات الماكرو اقتصادية فمثلا تم تقليص عجز الميزانية إلى 3,5 في المئةـ وارتفعت احتياطات العملة الصعبة إلى أكثر من 7 أشهر وكانت عند مجيء الحكومة حوالي 4 أشهر فقط. وأسهم ذلك في تدفق الاستثمارات الأجنبية إذ بلغ 146 مليار درهم، أي بزيادة 28 بالمئة مقارنة مع الأربع سنوات التي سبقت مجيء هذه الحكومة. وقد انعكس ذلك على التصنيفات الدولية في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي حيث تحسن ترتيب المغرب في معظمها.

وعلى المستوى الاجتماعي كانت هناك حزمة إجراءات، لائحتها طويلة. منها مثلا إحداث صندوق التعويض على فقدان الشغل لأول مرة في تاريخ المغرب وتوسيع قاعدة الطلبة المستفيدين من المنح الجامعية ورفع قيمتها، وإقرار التغطية الصحية للطلبة، وتخفيض أثمنة أكثر من 2700 دواء وغيرها كثير. هناك إذن مجهودات كبيرة وإنجازات مهمة لكن الطموح كان أكبر بطبيعة الحال، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه أنجز كلما هو ضروري في بلد تحيط به التحديات في كل الاتجاهات.

 

9 - يستغرب البعض من كون حزبكم الذي يقود الحكومة غامر بشعبيته عندما دخل "عش الدبابير"، من خلال إصلاح أنظمة التقاعد وإصلاح صندوق المقاصة، ما أفضى إلى تدابير لم تكن في صالح الفئات الضعيفة، غير بعيد عن موعد الانتخابات. هل يمكن الحديث هنا عن كلفة الإصلاح؟

الحكومة تحلت بالشجاعة وإعلاء مصلحة الوطن على مصلحة أحزابها، وباشرت ملفا حارقا لم يستطع كثيرون الاقتراب منه، وعلى العموم نسبة مهمة ممن مسهم الإصلاح قد تفهموا الاصلاح وعرفوا أن الحكومة لو كان غرضها المصلحة الحزبية لما باشرت الاصلاح ولفعلت مثل سابقاتها، لكن مصلحة الوطن اقتضت ذلك ولو كان على حساب شعبية أحزابها. لكن غير صحيح أن الفئات الضعيفة تأذت من ذلك، فالإجراءات المصاحبة وعدد من القرارات الأخرى كانت لمصلحتها. وقد تحسنت عدد من المؤشرات الاجتماعية ولو بنسبة بسيطة.

 

10 - هل ترى أن المحيط السياسي الإقليمي، خاصة في دول الجوار والمنطقة العربية، يوافق تصدر حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية للانتخابات؟

لا أظن أن هذا يطرح مشكلا بالنسبة لها، فطبيعة النظام السياسي المغربي يجعل مواقف المغرب في علاقته بمحيطه في مأمن عن التقلبات، إضافة إلى أن طبيعة نمط الاقتراع لا يمكن أي حزب من تشكيل الحكومة وحده، بل ستكون أي حكومة مقبلة ائتلافية مشكلة من عدد من الأحزاب.

11 - بماذا تعدون المغاربة في حالة فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية وترأس الحكومة المقبلة؟ ماهي مشاريع الإصلاح التي تنوون الاستمرار فيها؟

البرنامج الانتخابي حكمته عدة مرجعيات ومنطلقات في مقدمتها صيانة مكتسبات الحصيلة المشرفة للحكومة المنتهية ولايتها، من قبيل تعميم نظام التغطية الصحية بعدما كان يشمل فقط ثلث المغاربة، وإنقاذ المالية العمومية من الإفلاس عن طريق تقليص عجز الميزانية وتأمين العملة الصعبة وتقليص العجز التجاري "والأهم هو التحكم في المديونية.

من منطلقات البرنامج أيضا، تعزيز مواصلة مسار الإصلاح السياسي الذي عرفه المغرب بعد تنزيل الدستور، واعتماد القوانين التنظيمية، حيث إن هذه الولاية الحكومية كانت زاخرة بالتشريع والإنتاج غير المسبوق في تاريخ المملكة، بالإضافة إلى صيانة المقاربة الجديدة للإصلاحات التي تتم دون المس بالحقوق المكتسبة للمواطنين.

برنامج الحزب انطلق كذلك، من الرصيد المشرف للاستراتيجيات الكبرى في مختلف المجالات، من قبيل التنمية الصناعية التي وفرت 160 ألف منصب شغل، والطاقة التي عرفت استثمارات تجاوزت 90 مليار درهم.

أما بخصوص محاور البرنامج، فإنه يتضمن خمسة محاور يتعلق الأول بالحاجة الملحة إلى دعم مصادر النمو مثل المقاولة والتصدير والبناء وكذلك تنويعها، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد برنامج تنموي جديد، ويتعلق المحور الثاني، بالثروة البشرية التي تعد مصدر قوة الوطن، حيث إنه من الضروري صون كرامة المواطن، ومواصلة مجهودات خدمته وضمان حقوقه في التعليم والصحة وغيرها.

أما المحور الثالث فيرتبط، بالنهوض بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية، في حين يتعلق المحور الرابع بالحكامة الجيدة وما يرتبط بها من أولويات من قبيل تعزيز الشفافية، وتعزيز مسار إصلاح القضاء، ومحاربة الفساد وتعزيز الحريات.

ويتعلق المحور الخامس بإشعاع النموذج المغربي، وتنافسية المغرب.

12 - إذا لم يتصدر الحزب الانتخابات المقبلة..هل من شروط لديكم للدخول في الحكومة، أم أنكم ستختارون المعارضة؟

حزب العدالة والتنمية حزب لم يخلق للحكومة فقط، بل نحن أمضينا عقدا من الزمن في المعارضة، صحيح نحن نتمنى أن نستمر في الحكومة قصد المساهمة الفعالة في تسيير الشأن العام، لكن إذا اقتضت الضرورة أن نكون في المعارضة لا أعتقد أن فيه أي مشكل بالنسبة لنا. أما شروط الدخول في أي حكومة فهو التوافق مع مكوناتها على برنامج موحد وأن تتوفر شروط العمل الجماعي، فما يهمنا أكثر في العدالة والتنمية هو الصالح العام وليس المصلحة الحزبية.

* أجري الحوار مع جريدة العربي الجديد

التصنيف : حوارات ;