منذ وقع الزلزال الأخير بالمغرب بآلامه ومآسيه، تعالت بعض الأصوات تفسره على أنه عقاب من عند الله، وأن كل بلاء يقع إنما هو عقاب على الذنوب والمعاصي المرتكبة.
تطرقنا في حلقات سابقة إلى ماهية الاكتئاب وأنواعه. ويهمنا في هذه الحلقة أن نركز على قلة الوعي بتأثيراته على الحياة الفردية والجماعية.
وقد قلنا من قبل بأن الإحصائيات تثبت أن الاضطراب الاكتئابي منتشر أكثر مما يظن الكثيرون. فهو يصيب ما بين 13 إلى 20 % من السكان الذي تتراوح أعمارهم بين 15 و 75 عاما، في مرحلة ما من حياتهم، منهم 7% تقريبا يعانون من حالة اكتئاب شديدة. ويعني ذلك أنه يوجد بالمغرب حوالي أربعة ملايين ونصف من الأشخاص المصابين بالاكتئاب بمختلف أنواعه في مرحلة من مراحل حياتهم. وهذا يجعل الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعا، وواحدة من المشاكل الصحية العامة.
هذا نوع خاص من اضطرابات الرهاب. فهو يطلق في الأصل على الخوف غير المبرر من الأماكن العامة أو المكتظة بالناس، وهو المعنى اللغوي الذي يحمله اللفظ. لكن أصبح يستعمل اصطلاحا على معنى أوسع يدمج أيضا كل خوف غير منطقي من عدم القدرة على الإفلات من موقف صعب أو من عدم العثور على مخرج أو مساعدة في حالة الإصابة بحالة من القلق أو الذعر أو التعرض لمكروه. وهكذا يشعر المصاب برعب شديد عند الوجود مثلا في الشوارع أو الأسواق أو الأماكن المزدحمة أو وسائل النقل العام.
الرهاب الاجتماعي هو النوع الثاني من اضطرابات الرهاب. وهو يعني الشعور الشديد والمستمر بالخوف والقلق في وضع أو نشاط في مكان يحتوي على عدد محدود من الناس مثل المطاعم والحفلات الصغيرة والاجتماعات الصغيرة، أو أثناء الحديث مع شخص آخر صاحب نفوذ أو مكانة أو مسؤولية. وفي كثير من الأحيان يزول القلق أو يخف كثيرا بوجود فرد من الأسرة أو صديق أو ربما حيوان أليف مألوف لدى المصاب. وتكون بداية الإصابة بالرهاب الاجتماعي في الغالب في سن المراهقة أو الشباب. وقد يأخذ شكلا مزمنا على الرغم من التحسن الكبير الذي يحدثه العلاج.
هذا واحد من أكثر اضطرابات القلق شيوعا، إذ تقدر نسبة الذين يحتمل إصابتهم به خلال سنوات العمر حوالي 5% من الساكنة. ويتميز أساسا بما يلي:
– الشعور بقلق مستمر زائد عن الطبيعي يشعر به الشخص بصورة مزعجة، مع هم مفرط وانشغال البال أغلب اليوم لمدة لا تقل عن ستة أشهر
– يسيطر على عقل المصاب التفكير المستقبلي السلبي الذي يميل إلى افتراض الأسوأ، حتى وإن لم يوجد ما يدعو إلى ذلك. وبالتالي فإنه يكون باستمرار في حالة ترقب إما لخبر سيء أو لمفاجأة غير سارة.
– يعجز الشخص عن التغلب على ذلك القلق وذلك الهم أو التقليل منه
اضطرابات القلق هي مجموعة من الاضطرابات النفسية التي يشكل القلق عرضها الأساس. وأهم أنواعها: الرهاب الاجتماعي، والرهاب البسيط أو المحدد وأنواعه كثيرة تعد بالعشرات، والاضطراب الوسواسي القهري، واضطراب الهلع، واضطراب القلق المعمم، وقلق ما بعد الصدمة، واضطراب التكيف وغيرها.
وهناك توجه يبرز أكثر فأكثر مع مرور الوقت لدى المتخصصين، يعتبر أن اضطرابات القلق أضحت اليوم من أكبر معضلات الصحة العمومية ومشاكلها. والسبب في ذلك هو التطور السريع والمتزايد لتأثير تلك الاضطرابات على العديد من المستويات، ويظهر ذلك أساسا في النقاط التالية:
رأينا أن اضطرابات القلق متعددة ومتنوعة، وبالتالي فإن كل اضطراب منها له خصوصيات معينة في وسائل علاجه. لكننا هنا نريد أن نقف عند قواعد ووسائل مشتركة بين مختلف اضطرابات القلق، ثم سنرجئ الحديث عن خصوصيات علاج كل اضطراب عند الحديث عنه.
كانت المدارس النفسية تهتم كثيرا بجذور المشكلات والأمراض النفسية انطلاقا من خلفيات نظرية مختلفة. وكان القلق واضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات التي أخذت من ذلك بنصيب وافر. وذلك انطلاقا من أن التعرف على تلك الجذور والأسس النظرية هو الطريق الأفضل لمعالجتها. لكن التصنيفات المعاصرة في الطب النفسي، والتي اعتمدت منذ حوالي نصف قرن إلى اليوم لم تعد تهتم كثيرا بالجذور والأسباب لأنها كثيرة ومتداخلة من جهة أولى، ولأن تحديدها بدقة بالنسبة لحالة معينة غير ممكن من جهة ثانية. ومن هنا أضحى التركيز اليوم أكثر على تشخيص حالات القلق انطلاقا من أعراضها.
القلق جزء طبيعي من الحياة، قد يعاني منه الأشخاص في أوقات خاصة وظروف خاصة. لكن عندما يصبح حالة مزمنة أو اضطرابا ممنهجا، فقد يعيق القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وقد تكون له تأثيرات تتجاوز المستوى النفسي إلى مستويات عضوية متعددة. وتتنوع تلك التأثيرات كما وكيفا بشكل يجعل القلق أكثر الاضطرابات النفسية كلفة على المستويين الصحي والاجتماعي. كما تثبت وجود تأثير واسع للحياة النفسية للفرد على صحته العضوية ووظائف مختلف أعضاء الجسم.
ونستعرض هنا أهم التأثيرات الصحية للقلق.
قلنا في الحلقة السابقة بأن هناك قلقا طبيعيا مفيدا لحياة الإنسان، يحفزه على مواجهة خطر أو الإقدام على عمل صعب. وهو قلق له في الغالب سبب واضح مثل اجتياز امتحان دراسي، أو الإصابة بمرض خطير. وقد يصاحب بعض الأحداث السعيدة مثل الإقدام على الزواج أو بدء عمل جديد.
وهناك أيضا القلق غير الطبيعي (أو المرضي)، وهو القلق الذي يؤدي إلى ألم نفسي أو يسبب اضطرابا في أداء الفرد أو يعيق علاقاته وعطاءاته. ونخصص هذه الحلقة للتعرف على أهم أنواع هذا القلق غير الطبيعي، على شكل خطاطة عامة تقريبية لما هو متعارف عليه بين المتخصصين. وهذه الخطاطة تشكل أرضية لما سنتحدث عنه منها في الحلقات بعدها بإذن الله.