أنواع القلق المرضي

قلنا في الحلقة السابقة بأن هناك قلقا طبيعيا مفيدا لحياة الإنسان، يحفزه على مواجهة خطر أو الإقدام على عمل صعب. وهو قلق له في الغالب سبب واضح مثل اجتياز امتحان دراسي، أو الإصابة بمرض خطير. وقد يصاحب بعض الأحداث السعيدة مثل الإقدام على الزواج أو بدء عمل جديد.
وهناك أيضا القلق غير الطبيعي (أو المرضي)، وهو القلق الذي يؤدي إلى ألم نفسي أو يسبب اضطرابا في أداء الفرد أو يعيق علاقاته وعطاءاته. ونخصص هذه الحلقة للتعرف على أهم أنواع هذا القلق غير الطبيعي، على شكل خطاطة عامة تقريبية لما هو متعارف عليه بين المتخصصين. وهذه الخطاطة تشكل أرضية لما سنتحدث عنه منها في الحلقات بعدها بإذن الله.
النوع الأول – القلق الثانوي المصاحب لمرض آخر عضوي أو نفسي: فهو يبرز بوصفه عرضا من أعراض مرض نفسي أو عضوي معين. ففي مرض الاكتئاب يوجد القلق كثيرا بوصفه من الأعراض الدالة على اشتداد الحالة. ولدى مرضى الفصام ينتج القلق غالبا عن التغيرات غير المفهومة التي يحسون بها في شخصيتهم أو التي يتوهمونها في الواقع من حولهم، ويسمى بعض أنواع هنا: القلق الذهاني. وهكذا قليلا ما يخلو مرض نفسي من عرض القلق. كما أن الأمراض العضوية كثيرا ما تصاحبها أعراض نفسية وفي مقدمتها القلق، وخصوصا إذا كانت خطيرة أو قابلة للتطور بشكل لا يعرف مداه. وهذا القلق الثانوي غالبا ما يقل أو يختفي عند تماثل المريض للشفاء من المرض الذي يصاحبه.
النوع الثاني – اضطرابات القلق: وهي اضطرابات يشكل القلق عرضها الرئيس، وهو كذلك الجامع بينها. وهي اضطرابات واسعة الانتشار، تصيب على العموم حوالي 15 بالمئة من المواطنين، وهو ما يوازي خمسة ملايين ونصف المليون من المغاربة تقريبا. وحسب التصنيف الدولي للاضطرابات والأمراض النفسية الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية يمكن أن نتحدث – مع شيء من التعديل – عن الأنواع التالية:
أولا – اضطراب القلق الرهابي، ويصيب ما بين 3 إلى 5 % من المواطنين، وهو أنواع:
– رهاب الساح والأماكن المفتوحة: ويدخل فيه الشعور بالقلق عند التواجد وحيدا في مكان يصعب فيه الحصول على مساعدة.
– الرهاب الاجتماعي: وهو قلق ذو دلالة عند التعرض لمواقف اجتماعية معينة، مثل الحديث في التجمعات والمجالس التي بها أناس غرباء، مما يؤدي إلى تجنب حضور تلك المناسبات الاجتماعية.
– المخاوف المحددة لأشياء أو مواقف، مثل الحيوانات والدم والجروح والأماكن المرتفعة والأماكن المغلقة والطائرات، وهو من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارا.
ثانيا – اضطراب الهلع: وسجل لدى 2 % على الأقل من عموم المواطنين. وهو عبارة عن نوبات هلع (أو رعب) متكررة وغير منتظرة، مصاحبة بإحساس من توقع الأخطر والأسوأ وبأعراض نفسية أو عضوية مختلفة.
ثالثا – القلق النفسي العام: ويصيب على الأقل 3 %من المواطنين، وهو حالة مستمرة من القلق والهم الشديدين لمدة تزيد على ستة أشهر.
رابعا – الاضطراب الوسواسي القهري: يصيب حوالي 2 % من المواطنين، ويتميز بوساوس (أفكار متكررة متسلطة على الذهن تسبب القلق أو التوتر أو الألم النفسي) وبأفعال قهرية (تحاول التخفيف من الآثار النفسية للوساوس)
خامسا – ردود فعل على عوامل ضغط شديدة (أو إجهاد)، واضطرابات التكيف، وهي أنواع أهمها: رد الفعل الحاد لعامل ضغط، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطرابات التكيف.
هناك نوع آخر من القلق هو القلق المزمن الذي غالبا ما يصبح سمة من سمات الشخصية، فيتصرف الفرد على أساسه في مختلف مواقفه ومبادراته. كما أنه يكون أكثر استعدادا للنظر إلى الحوادث العادية على أنها تهديد لسلامته، وبالتالي أكثر استعدادا من غيره للشعور بالقلق وهو قريب من القلق المعروف عند فرويد بالقلق العصابي أو القلق داخلي المنشأ.
هذه عموما أهم أنواع القلق التي قد يصاب بها الفرد، وهي التي يحاول الطبيب، عاما أو متخصصا، البحث عنها وتشخيصها. واستعراضها يستدعي ملاحظتين اثنتين هما:
1 – إن هذه الأنواع لا تغطي بالضرورة كل حالات القلق التي يشعر بها الإنسان، لكنها تغطي أهمها. فالظاهرة النفسية الإنسانية أعقد بكثير من أن تستوعبها تصنيفات، مهما دقت. لكنها تعطي عنها صورة تقريبية، تصلح ليحدد الذي يشعر بالقلق أين يجد نفسه أكثر. وهو شيء ضروري لأي مقاربة علاجية.
2 – أثبتت الدراسات الإحصائية أن الحالات التي يصاب فيها الفرد بأكثر من اضطراب واحد للقلق كثيرة جدا، كما أن حالات اجتماع اضطراب قلق واحد أو أكثر مع مرض نفسي آخر، وخصوصا الاكتئاب، كثيرة أيضا.

التصنيف : منوعات ;