عسر المزاج هو نوع خاص من أنواع الاكتئاب. يتميز بكونه حالة مزمنة من الاكتئاب الخفيف يستمر لسنوات طويلة، ولا يستوفي معايير الاضطراب الاكتئابي المعاود كما شرحناها في حلقة سابقة، لا من حيث شدة النوبات ولا من حيث مدتها. ففي الاضطراب الاكتئابي المعاود هناك نوبات متتالية مع فترات طبيعية تفرق بينها. أما في عسر المزاج فإن المريض تمر عليه السنوات المتواصلة (على الأقل سنتان في الغالب)، وهو يشعر بواحد أو أكثر من الأعراض التالية: التعب والحزن والميل للانعزال وقلة الاستمتاع بالحياة، ويكثر من الشكوى، لكنه يكون عادة قادرا على ممارسة حياته اليومية وقضاء حاجاته الأساسية فيها.
وقد تظهر لدى المريض أعراض اكتئابية أخرى مثل الشعور ببعض اليأس والعياء وقلة الانتاجية ونقص في تقدير الذات، لكنها في الغالب أعراض خفيفة يتعايش معها المريض. وكثيرا ما يعتقد المصاب بعسر المزاج بأنه يتعرض للنقد المفرط من قبل الآخرين.
وقد تختفي أعراض عسر المزاج بعد سنوات من المعاناة، لكنه اختفاء لا يزيد في الغالب على شهرين ثم تعاود الظهور. وما يلاحظه أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو زملاء العمل على المريض هو أنه يصعب عليه عموما الشعور بالتفاؤل حتى في المناسبات السعيدة، وقد توصف شخصيته بأنها ميالة للكآبة.
ويعتاد بعض مرضى عسر المزاج على معاناتهم، إلى درجة أنهم يظنون أن ذلك يشكل جزءا من شخصيتهم وليس مرضا نفسيا يمكن معالجته، وخصوصا أنهم قادرون عادة – كما قلنا – على الاستمرار في أنشطتهم في مستوى مقبول. لكن علاقاتهم وحياتهم المهنية تتضرر – ولو نسبيا – على المدى البعيد بسبب الطابع المزمن للأعراض.
وفي عدد من الحالات يجتمع الاكتئاب الأساسي مع اضطراب عسر المزاج، بحيث تتخلل الحالة المزمنة لعسر المزاج نوبات اكتئابية نموذجية بشكل دوري. وهنا نتكلم عن “الاكتئاب المزدوج أو المضاعف”.
وتذهب بعض الإحصائيات إلى أن ما بين 3 إلى 5% من السكان يعانون في مراحل معينة من حياتهم من اضطراب عسر المزاج.
لكن في أي سن يظهر اضطراب “عسر المزاج” ؟؟
هناك نوعان من هذا الاضطراب.
الأول عسر المزاج المبكر الذي يظهر قبل سن 21 عاما. والثاني عسر المزاج المتأخر الذي يبدأ ظهوره بعد ذلك، وخصوصا بعد سن الثلاثين.
وهناك ملاحظة مهمة وهي أن الأطفال يمكن أن يصابوا باضطراب عسر المزاج، ويكون عادة مصحوباً عندهم بصعوبات في النمو، أو باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو باضطرابات سلوكية ودراسية. وتشمل أعراض عسر المزاج لدى الأطفال التشاؤم والتوتر واضطرابات في السلوك، وأحيانا ضعف الأداء المدرسي، وصعوبة الاندماج الاجتماعي، مع انخفاض تقدير الذات.
ما هي الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها ؟؟
الخلاصة هي أن ما يميز بالخصوص هذا النوع من الاكتئاب المسمى “عسر المزاج” هو أمران أساسيان هما:
أولا – كونه حالة مزمنة، واستمرار أعراضه لعدة سنوات على الأقل،
ثانيا – كونه يعيق المريض من تكوين العلاقات الاجتماعية ومن تطوير عمله، وأحيانا يؤدي إلى تدهور ولو نسبي على المستويات الأسرية والمهنية والاجتماعية، وذلك على الرغم من كون أعراضه خفيفة أو خفيفة جدا.
إن إدراك المريض أو عائلته للحالة المرضية مبكرا مهم جدا للتكفل في الوقت المناسب بحالة المريض. وتؤدي الاستشارة الطبية النفسية إلى وضع التشخيص الدقيق ووصف العلاج المناسب، وهو علاج لا يختلف كثيرا عن العلاج الذي يوصف لأنواع الاكتئاب الأخرى، مع إعطاء أهمية خاصة لتغيير نمط العيش. فعلى الرغم من أن هذا التغيير مهم في دعم علاج مختلف أنواع الاكتئاب، إلا أنه هنا مع عسر المزاج أوكد وأهم. ومن ذلك اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة التمارين الرياضية المنتظمة، والحرص على الأنشطة العائلية والاجتماعية، والحصول على قسط كاف من النوم، وممارسة الأنشطة التي يجد فيها المرء المتعة والسعادة.